غلاكتيكوس ريال مدريد : من مشروع تسويقي إلى أسطورة كروية

غلاكتيكوس ريال مدريد : من مشروع تسويقي إلى أسطورة كروية

لطالما ارتبط اسم ريال مدريد بالإبداع داخل المستطيل الأخضر لكن نجاح النادي الملكي في العصر الحديث لم يكن وليد الصدفة أو مجرد نتيجة طبيعية لوجود نجوم كبار في صفوفه. الحقيقة أن فلورنتينو بيريز الرئيس الأكثر إثارة للجدل في تاريخ النادي أدرك مبكرًا أن كرة القدم لم تعد مجرد لعبة بل صناعة قائمة على التسويق والجماهيرية وصنع صورة ذهنية في عقول اللاعبين والأنصار على حد سواء ومن هنا وُلد مشروع الغلاكتيكوس.


البداية: غلاكتيكوس الأولى (2000 – 2006)

مع بداية الألفية الجديدة كان بيريز بحاجة إلى وسيلتين أساسيتين لإعادة ريال مدريد إلى القمة:

1. التسويق لشعار النادي بين الجماهير في كل أنحاء العالم.

2. التسويق لشعار النادي بين اللاعبين أنفسهم.

ولتحقيق ذلك أطلق ما يعرف بـ غلاكتيكوس الأولى حيث قام بجلب أبرز نجوم العالم في ذلك الوقت: لويس فيغو، زين الدين زيدان، الظاهرة رونالدو، ديفيد بيكهام، روبرتو كارلوس، وراؤول غونزاليس. فجأة تحولت مباريات ريال مدريد إلى مهرجانات كروية تجذب أنظار العالم كله حتى أن البعض كان يشاهد الريال فقط ليحظى بمتعة متابعة هؤلاء النجوم في فريق واحد بغض النظرعن النتيجة النهائية.

كان المشروع في جوهره اقتصاديا أكثر من كونه رياضيا. صحيح أن الفريق لم يحقق عددا كبيرا من البطولات مقارنة بالأسماء الثقيلة التي ضمها إلا أن أرباح النادي تضاعفت وقيمته التجارية ارتفعت بشكل غير مسبوق. وإذا قارنا أسعار هؤلاء النجوم آنذاك بما تدفعه الأندية اليوم لصفقات متوسطة سنجد أن مشروع غلاكتيكوس الأولى كان استثمارا مربحا بأرقام معقولة.

لكن على المستوى الرياضي تعرض ريال مدريد لانتقادات واسعة إذ رأت الجماهير ووسائل الإعلام أن الفريق فشل في تحويل الكم الهائل من النجوم إلى بطولات جماعية. ففي الوقت الذي كانت أندية مثل ميلان، مانشستر يونايتد، إنتر ميلان وبرشلونة تسيطرعلى البطولات محليا وأوروبيا اكتفى الريال بتأثيره التسويقي وصورته الاستعراضية.

ومع ذلك لم يكن ذلك الفشل الرياضي عقيما بل ترك بصمة قوية على الجيل الناشئ من اللاعبين. أصبح الحلم بالنسبة لأي موهبة صاعدة أن ترتدي قميص الريال لأنه ببساطة النادي الذي لعب فيه اللاعبون المفضلون لهم وهذا ما زرع بذور النجاح طويل المدى.


التحول: غلاكتيكوس الثانية (2009 – 2018)


بعد كأس العالم 2006 تغيرت كرة القدم كليا وأدرك بيريز أن العودة إلى الصدارة تتطلب نسخة جديدة من مشروع الغلاكتيكوس لكن هذه المرة برؤية أكثر توازنا بين الجانب الاقتصادي والرياضي.

عام 2009 أطلق بيريز مشروع غلاكتيكوس الثانية تعاقد مع كريستيانو رونالدو، كريم بنزيما، كاكا، وأعاد هيكلة الفريق بجيل جديد من النجوم ورغم أن برشلونة في ذلك الوقت كان يعيش ذروته التاريخية مع بيب غوارديولا نجح بيريز في تسويق الريال على أنه المنافس الحقيقي والوحيد للبارسا ما زاد من إقبال الجماهير على مباريات الكلاسيكو وأعاد للنادي بريقه العالمي.

الخطوة الأذكى كانت جلب المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو الذي وضع أساسا صلبا للفريق تحت قيادته تحول كريستيانو من جناح استعراضي إلى ماكينة تهديف لا ترحم وظهر لاعبون مثل لوكا مودريتش وتوني كروس الذين شكلو قلب وسط الميدان التاريخي للريال حتى شخصية سيرجيو راموس تغيرت من مدافع استعراضي يهتم بشعره إلى قائد محارب يقود الفريق بروح لا تقهر.

النتيجة؟ الريال حقق ما لم يستطع أحد تصوره: التتويج بثلاثة ألقاب دوري أبطال أوروبا متتالية (2016، 2017، 2018) والوصول إلى اللقب الخامس عشر في تاريخه لحظة تاريخية أثبتت أن الصبر على المشروع وجعل الرؤية طويلة المدى أهم بكثير من البحث عن نتائج فورية.


الدروس المستفادة

قصة ريال مدريد مع الغلاكتيكوس تكشف لنا أن النجاح الرياضي والاقتصادي يحتاج إلى استراتيجية وصبر. صحيح أن غلاكتيكوس الأولى لم تحقق الكثير من البطولات لكنها نجحت في زرع صورة ذهنية جعلت من الريال حلم كل لاعب وكل مشجع أما غلاكتيكوس الثانية فقد جنت ثمار هذا الاستثمار الذكي وحققت نجاحا أسطوريا داخل وخارج الملعب.

وعندما نقارن وضع الريال اليوم بمصير أندية أخرى مثل ميلان، مانشستر يونايتد، أو حتى برشلونة، نجد أن الفرق شاسع. هذه الأندية فضلت الاعتماد على الحرس القديم دون تخطيط بعيد المدى فوجدت نفسها تعاني من أزمات فنية ومالية خانقة في المقابل استغل ريال مدريد كل فرصة لإعادة بناء نفسه وضمان استمراريته في القمة.


الخلاصة


ريال مدريد لم يعد مجرد ناد رياضي بل مؤسسة كروية واقتصادية عالمية. مشروع الغلاكتيكوس بنسختيه كان بمثابة إعلان عن دخول كرة القدم عصرا جديدا حيث النجاح لم يعد يقاس فقط بعدد الألقاب بل أيضا بمدى القدرة على جذب الجماهير، صناعة النجوم، وضمان استمرارية النادي لعقود طويلة. وهكذا علمنا بيريز أن كرة القدم الحديثة هي مزيج من التسويق والرياضة ومن يفتقد أحدهما لن يستطيع البقاء طويلا في القمة.

تعليقات