كرة القدم ليست مجرد لعبة في المغرب والجزائر بل هي مرآة تعكس العلاقات المعقدة بين بلدين شقيقين يربطهما الجوار واللغة والتاريخ وتفرق بينهما السياسة وصراعات النفوذ وعندما يلتقي أسود الأطلس بخصمهم التاريخي محاربي الصحراء فإن المباراة تتحول إلى ما يشبه "معركة دبلوماسية" يتابعها الملايين بشغف من طنجة إلى تمنراست.
تاريخ المواجهات: بداية التنافس منذ الاستقلال
أول مواجهة كروية رسمية جمعت المغرب والجزائر تعود إلى ستينيات القرن الماضي بعد استقلال الجزائر مباشرة حيث كان المنتخب الجزائري حديث العهد بينما المغرب قد بدأ يفرض نفسه قاريا. منذ ذلك الوقت تميزت اللقاءات بين المنتخبين بالندية والحدة وكأنها مباراة نهائية مهما كان طابعها.
في كأس أمم إفريقيا 1976 التي فاز بها المغرب في النهاية التقى المنتخبان في مباريات قوية شكلت نواة العداء الرياضي بين الشعبين وفي تصفيات كأس العالم 1982 تحولت المواجهة إلى "حرب باردة" كروية كل فريق يلعب بكل ما أوتي من قوة لإقصاء الآخر من الحلم العالمي.
وعلى مر السنين لم تخل لقاءاتهما من الإثارة والجدل ففي كأس العرب 2021 بقطر عاش الملايين واحدة من أكثر المباريات ندية انتهت بفوز الجزائر بركلات الترجيح بعد أداء بطولي من الطرفين لتتحول الشوارع المغربية والجزائرية إلى مسرح للاحتفالات والجدالات بين الفرح هنا والحسرة هناك.
كرة القدم.. الوجه الآخر للسياسة
لا يمكن فصل السياسة عن كرة القدم في علاقات المغرب والجزائر فمنذ عقود ظل الملف السياسي الملتهب بين البلدين –خصوصا قضية الصحراء– يلقي بظلاله على الرياضة كل فوز أو خسارة يتحول في الإعلام إلى "انتصار رمزي" على الخصم.
فوز المغرب يقرأ على أنه إثبات للتفوق السياسي والدبلوماسي.
فوز الجزائر يعتبر "رد اعتبار" ورسالة بأن الغلبة ليست فقط في السياسة بل حتى في الرياضة.
ولذلك فإن الجماهير تتابع المواجهات بعيون سياسية قبل أن تكون رياضية ولا أحد يقبل بالخسارة ليس لأنها مجرد مباراة بل لأنها تعني –رمزيا– خسارة "المعركة" أمام الجار.
الجماهير: بين الحب المشترك والعداء المصطنع
رغم هذه الشحنة السياسية يظل هناك حب مشترك يجمع الشعبين لهذه اللعبة الجميلة. الملاعب دائمًا ممتلئة، والشغف لا حدود له، والتعليقات على مواقع التواصل تتحول إلى ساحة حرب كلامية لكنها تكشف في الوقت نفسه عن تشابه العقلية الكروية بين المغاربة والجزائريين.
وقد شهدنا في أكثر من مناسبة لحظات تضامن مثل تشجيع الكثير من المغاربة للجزائر في كأس إفريقيا 2019 حين توج محاربو الصحراء باللقب أو احتفاء جزائري بلاعبين مغاربة يتألقون في أوروبا هذه المواقف تؤكد أن كرة القدم قادرة على أن تكون جسرا للمحبة حتى لو حاولت السياسة استغلالها للتفرقة.
الإعلام: تأجيج أم توحيد؟
يلعب الإعلام الرياضي دورا مزدوجا ففي أحيان كثيرة يتعمد تضخيم التوتر وتحويل المباريات إلى معارك وجودية من أجل رفع نسب المشاهدة وجذب القراء لكنه في المقابل يستطيع أن يكون عامل تهدئة عبر التركيز على القيم الرياضية المشتركة وإبراز أن الصراع يجب أن يبقى داخل المستطيل الأخضر.
للأسف الغالب هو السيناريو الأول : عناوين نارية، مقالات استفزازية، ومقارنات لا تنتهي بين نجوم البلدين والنتيجة: زيادة الشحن الجماهيري وتوسيع الهوة بدل ردمها.
كرة القدم: أداة صراع أم فرصة للوحدة؟
يبقى السؤال الأهم: هل كرة القدم بين المغرب والجزائر مجرد أداة صراع سياسي أم يمكن أن تتحول إلى فرصة للوحدة؟
الواقع أن كل مواجهة حتى الآن عززت الشعور بالاختلاف والندية لكن إذا أُحسن استغلالها يمكن لهذه اللقاءات أن تصبح مهرجانا أخويا يجمع الجماهير على حب مشترك ويعيد التذكير بأن السياسة زائلة بينما الرياضة تبقى مساحة للفرح والتقارب.
الخلاصة
المواجهات بين المغرب والجزائر ليست مجرد مباريات كرة قدم بل هي صفحات من التاريخ السياسي والاجتماعي لشمال إفريقيا إنها صراع رمزي يتجدد في كل مناسبة يجمع بين الفخر الوطني والغيرة الرياضية ويكشف في الوقت نفسه عن حجم الروابط التي لا يمكن أن تلغيها السياسة مهما اشتدت الخلافات.
ففي النهاية الكرة المستديرة قادرة على أن تكون رسالة سلام بين الشعبين أو وقودا لصراع لا ينتهي والقرار يبقى في يد من يختار كيف يقرأ هذه المواجهات : هل كـ"حرب" جديدة بين الأشقاء؟ أم كـ"عرس كروي" يوحد ما فرقته السياسة؟